جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
التعليقات على متن لمعة الاعتقاد
71987 مشاهدة print word pdf
line-top
(فصل في أن القرآن كلام الله حقيقة)

ص (ومن كلام الله تعالى: القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين؟ بلسان عربي مبين، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود).


س 34 (أ) ما تقول في القرآن. (ب) وما حبل الله المتين. (ج) وكيف نزل به الروح الأمين. (د) وما حكم القول بأنه مخلوق. (هـ) وما معنى قوله: منه بدأ وإليه يعود؟
ج 34 (أ) اتفق السلف والأئمة على أن القرآن كلام الله حقيقة حروفه ومعانيه، تكلم به كما شاء، وكذا التوراة والإنجيل وسائر كتبه، قال الله تعالى فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة]- وقال يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ [الفتح]- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يجيرني حتى أبلغ كلام ربي رواه أبو داود بمعناه، وليس لكلام الله نهاية، قال تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي [الكهف].
(ب) (وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين) هذه من أسماء هذا القرآن، كما سماه الله بالكتاب، والفرقان، والذكر الحكيم، وغيرها، ومعنى كونه كتاب الله، أنه كتب بأمره، حيث جرى به القلم في اللوح المحفوظ، ثم كتب في المصاحف التي بين أيدينا، وسماه مبينا لأنه بين ووضح فيه الأحكام وغيرها، قال تعالى وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل]- وروي في حديث عن الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه مرفوعا تسميته بحبل الله، وهو تشبيه له بالحبل الذي يتعلق به من يريد الرقي من أسفل إلى أعلى، وكلما كان الحبل متينا قويا، كان أثبت له، وآمن أن ينقطع بمن تمسك به، وقد أمرنا بالتمسك بتعاليم هذا القرآن، قال تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران]- أي بدينه وشرعه المتلقى عن الكتاب والسنة.
(ج) وقد ذكر الله إنزال هذا القرآن منه، قال تعالى تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت]- وقال: مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [الأنعام]- وكذا آية الشعراء المذكور معناها في المتن وهي قوله: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ أي هو تنزيل من الله، نزل بواسطة الروح الأمين، وهو ملك الوحي جبريل عليه السلام، المأمون على وحي الله، أنزله على قلب سيد المرسلين، بأن قرأه وهو يسمع ويعقل حتى ثبت في قلبه.
(د) وذهبت المعتزلة إلى أن القرآن مخلوق، خلقه الله في اللوح المحفوظ أو غيره، وأخذه جبريل نقلا من ذلك. وهذا يعتبر تكذيبا لله ورسوله كما في النصوص السابقة، وهو خلاف ما عليه الصحابة والسلف الصالح، وقد تشعبت مذاهب المبتدعة في القرآن، ولهم أقوال لا دليل عليها، ولا طائل تحتها.
(هـ) أما قوله: منه بدأ وإليه يعود. فالمعنى أنه الذي تكلم به ابتداء، وإليه يرجع في آخر الدنيا، حيث يسرى عليه فينسخ من الصدور، ويمحى من المصاحف، ورفعه من أشراط الساعة، عندما يعرض عن العمل به.

line-bottom